«عربي/ات» أول ملتقى جماعي خاص تنظمه «مفردات» لجمع الكاتبات والكتاب من العالم العربي اللاتي/الذين يعملن-ـون بمختلف اللغات الأم: العربية والإنكليزية والفرنسية.

يحتوي العالم العربي مشاهد أدبية مميزة وحيوية لكنها نادرًا ما تتلاقى، ويتفاعل كتابها وكاتباتها مع مختلف الجماهير وفق لغة الكتابة التي يستخدمن-ـون. في هذا الواقع متعدد اللغات تتشكل سرديات المنطقة، لكن وفي معظم الأحيان تُـ-يُترك الكاتبات والكتاب والمشاهد متناثرات-ـين ولا تجمعهمنّ الترجمات ولا دور النشر ولا حتى اللقاءات المهنية. في محاولتنا لفهم السرديات التي قد تنتج عن صوتهمنّ الجمعي، نُعنى بجمع مختلف المشاهد تلك في مساحة مشتركة للحوار مع أنفسهمنّ وعنها.

«عربي/ات» ملتقى للكاتبات والكتّاب يُدعَونَ للتجمع والمشاركة في جلسات كتابة وقراءة وترجمة، حيث يُنظر إلى كلمات مثل ”كاتبة-ـب“ و”عربية-ـي“ بتعددية من الظروف المادية والدول وإمكانات التحرّك وممارسات النّشر والاستثناءات والفرص التي تتطلّب الاهتمام الكبير والتأمّل الوثيق. يوفّر هذا الملتقى الجماعي الوقت والمساحة لمختلف كاتبات وكتّاب الأدب المعاصر من وفي العالم العربي للعمل معًا ومشاركة عمليّات الكتابة واهتماماتهمنّ وتساؤلاتهمنّ وأهمّ من كلّ ذلك التلاقي ضمن سياقٍ لا جمهور فيه غيرهمنّ.

جرت النسخة الثانية من «عربيّ-ـات»، وهو ملتقانا الجماعي السنوي لمختلف الكاتبات والكتاب من مختلف لغات وأنحاء العالم العربي، في مقرّنا في أثينا من ١١ إلى ١٥ تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٢. دعت «مفردات» فيها عشر كاتبات وكتّاب للالتقاء: داني عربيد (لبنان) وسحر مندور (لبنان) وسكينة حبيب الله (المغرب) وسليم حدّاد (فلسطين/لبنان/العراق) وسميرة نقروش (الجزائر) وفاطمة الزهراء الرغيوي (المغرب) ونائل الطوخي (مصر) ونور تركماني (لبنان) ونور نجا (مصر)، ونظّمَ البرنامج كريم قطّان من فريق «مفردات».

استكشفت هذه النسخة من الملتقى مختلف أساليب الكتابة والكتابة المشتركة وقراءة نصوص الأخريات والآخرين والتشارك. دُعيت المشاركات والمشاركون لتصميم جلسات كتابة للمجموعة وشُجّعن على التجريبيّة وعلى اعتماد توجّه مرح ولعوب في تخطيطها. ودعت كلّ من الكاتبات والكتّاب بعضهمنّ البعض إلى دخول مساحات معقّدة وغير مألوفة ولاستكشاف مختلف التقنيات واللغات وصيغ الكتابة. وعلى مدى أربعة أيّام من جلسات الكتابة والورشات كتبت المشاركات والمشاركون أفرادًا وجماعات وناقشنَ مختلف أنواع الصعوبات والعثرات ولكن كذلك الاحتمالات والأفراح الكامنة في الكتابة ضمن فوضى لغات عامرة، شملت مختلف لكنات العربيّة والفرنسية والإنكليزية وبعض التعابير بالأمازيغية – وأساليب الكتابة والسرد- من الخيال العلمي إلى الكتابة الواقعية إلى النصوص الإنشائية إلى القصائد والنّكات وعدّة أشكال تجريبية تضافرت في ما بينها. شملت الجلسات تجارب كتابة مشتركة، مثل تجربة داني بعنوان «سفينة الملكات»، هي عبارة عن محفّز كتابة أبوكاليبتيّ، تطوّرت مدى ساعتين من الكتابة لتصبح قصّة خيال علمي كاملة شاملة مكتوبة بثلاث لغات وثمانية أساليب كتابية؛ أو مقترح سميرة للكتابة “في ما بين” نصوص الأخريات والآخرين – ما ولّد قصائد غريبة وكوراليّة ومتعدّدة الطبقات. وفي تلك الأثناء دعت فاطمة الزهراء الكاتبات والكتاب لوصف حدث يومي مشترك من وجهة نظر كلّ واحدة وواحد منهمنّ ضمن مجموعات ثنائية، فكانت النتيجة نصوصًا مؤثّرة وحميمة.

ساهمت كاتبات وكتّاب آخرون في توجيه النقاشات، أحيانًا بالاستناد إلى محفزات كتابة. ودعت نور ونائل المجموعة إلى تحليل نصّ أو جملة للكشف عمّا يمكن فعله بمختلف تردّداتها. أمّا سكينة وسليم وكريم ونور فساهمن-ـوا في تيسير الورشات أو النقاشات عن كيفية (أو عدم إمكانية) فهم وكتابة الحميمية والسِّحر والأوجاع والجروح الموروثة والتكنولوجيا وإدخال القطعيّة في نصوصنا. في ما دعت سحر أفراد المجموعة للتفكير في أيّ من كتاباتهمنّ تثير الإحراج والارتباك وللانتباه إلى ذلك الشعور بهدف فهمه، أملًا في التخلّص منه. وناقشت المشاركات والمشاركون نطاقًا واسعًا من المواضيع، بما يشمل النزعة إلى الهروب من الواقع والموت والميتاڤيرس والبحث عن النفس والبحث عن النفس الجمعيّة والروابط في ما بينها. تحدّثت المجموعة عن المبالغة بصفتها أداة لحكي القصص وعن الكتابة بصفتها شكلًا من أشكال الوشم والانغمار الحاصل عند قراءة قصصٍ جيّدة وغيرها من المواضيع الكثيرة.

في مجالٍ مثل مجال الأدب، حيث النزعة إلى انعزال العاملات والعاملين فيه وتقسيمهمنّ وفق اللغة أو النوع الأدبي، تندر اللقاءات بين الكاتبات والكتاب في العالم العربي ومنه في إحداثيات عابرة للّغات والأنواع الأدبيّة والجغرافيّات كما يندر توفّر الوقت للتفكير في ممارستهمنّ مع زميلات وزملاء يشاركنهمنّ الفكر الواحد أو ما يشبهه. أبدت اللحظات المشتركة في ما بين الجلسات، هي لحظات من الوقت الحرّ أو الراحة، سواء وقت الغداء أو العشاء أو عند المشي من وإلى مقرّ «مفردات»، الحاجة إلى المساحات التي توفّر العناية والحميمية للكاتبات والكتاب للتلاقي والتجريب ولخوض نقاشات صعبة ومشاركة مشاريع أو أفكار معقّدة وغير مكتملة – وذلك ضمن محاولة لدعم ممارستهمنّ الكتابيّة وضمن وضع الأسس لتعاوُنات وفرص مستقبليّة.

وعبّرت المشاركات والمشاركون عن أنّ الجلسات استحضرت الصداقات الحاضرة في ما بين الكتب وما بعدها. فخلقت الجلسات ضحكات وبعض الدموع وأثارت الهشاشة المشتركة وكتابات جميلة، حيث عملت الكاتبات والكتّاب معًا على إنتاج نصوص وقصص مزجت أساليبهمنّ وآرائهمنّ المتعدّدة. وكان ثمّة شعور بأنّ الورشات -باقترانها بوجود المقرّ في أثينا تحديدًا- وفّرت شعورًا بالهدوء والتأمّل والاعتناء والمجتمع بل وحتّى بالعائليّة.

أقيم «عربي/ات» ٢٠٢٢ بدعمٍ من «المؤسسة الثقافية الأوروبية» وبالتعاون مع مؤسسة «أليانز» الثقافية.

للمزيد من الصور ᐸ