أقيمت النسخة التجريبية من الملتقى في ٢٩ و٣٠ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢١ في مقر «مفردات» في أثينا بمشاركة داليا طه وعمر روبرت هاميلتون وفاتن عباس وفرح برقاوي ومروى هلال وناريمان يوسف وسحر مندور وهاشم هاشم ووديعة فرزلي مع كريم قطّان وياسمين حاج من الفريق. تمعّن الملتقى في أربعة أسئلة: “كيف نجد حكاياتنا؟” و”هل تحصرنا اللغة؟” و”إلى أين تذهب الحكايات؟” و”لمن نكتب؟” استمرت الجلسات فترة بعد الظهر حتّى المساء وتخللت الأيام ساعة من القراءات التي أجراها المشاركات والمشاركون.
بدأ الملتقى بجلسة عنوانها “كيف نجد حكاياتنا؟” أدارها منسق البرامج من فريق «مفردات» كريم قطّان بمشاركة سحر مندور وفرح برقاوي في الحوار. طرحت الجلسة الأسئلة التالية: “أي خيالات تستكشفين/ف؟” و”كيف تنتقين/ي قصة وسط الضجيج المحيط بنا؟” و”أين تبحثين/ث عن القصص؟” و”ما هي عملية الكتابة التي تعتمدين/د؟” و”هل تبدئين/أ من البداية أم النهاية أم من مكان آخر؟”
بدأ كريم بمشاركة أسئلته الشخصية في ما يخص لغة كتابته الأساسية أي الفرنسية وجمهورها واستقبالها وكيف يؤثر ذلك في اختياره لقصصه. في فرنسا، يشعر كريم بالحاجة إلى الاستجابة إلى تصنيفه بوصفه “فلسطينيًا” بينما يشعر في المقابل أنّ الكتابة بالإنكليزية تمنحه إحساسًا بجمهور أوسع وأقلّ تعريفًا، ما يولّد إمكانات وأنواع كتابية أكبر. تكتب سحر بالعربية وناقشت كذلك طريقة تطوير رواياتها ومخاطبتها جمهورًا من العالم العربي. فيما تستمرّ باستلهام قصصها من سياق الحياة اليومية والتفاصيل حولها، شاركت أنّها حاليًّا -وفي كتابتها روايتها الخامسة- تستكشف أشكالًا أخرى من الكتابة، لكن بحيث تكون خالية من المعالم المعهودة. فلا يفصل بين شخصيّاتها وأزمنتها وأمكنتها المبتدَعة إلّا مساحة ضبابية تهدف إلى تحسين إدراكها لتراكم القلق والانزعاج والخيال. فسّرت كذلك أنّها تقصد بكتابتها أن تكون مرحابية لا عدائية، وذلك عند تطرّقها لتأطير عملها ومحتواه الكويريّ واحتمالية اشتباكه مع الركائز الاجتماعية. تكتب فرح نثرًا بالعربية بالأساس ولكن مؤخرًا بالإنكليزية، وتحدثت عن نصوصها النثرية بوصفها طريقةً لسرد الحياة. تكلّمت عن الطريقة التي يُفتَرض بها أنّ عروضها وقصصها -على الرغم من كونها مستوحاة من سيرتها الذاتية في غالب الأحيان- قصصيةً ومتخيّلةً، ما يثير السؤال حول الطريقة التي تخلق بها العروض والسرديات الثابتة والناجزة بعدًا يطمئن الجمهور عبر افتراض النّصّ قصصيًّا. سلّطت فرح الضوء على أهمية صوتها الخاص والأصوات والإيقاع في العروض بوصفها أدوات تُستخدم عمدًا ضمن منهجية سردها وحكاياتها.
أدار الجلسة التالية بعنوان «هل تحصرنا اللغة؟» عمر روبرت هاميلتون منسقة التحرير من فريق «مفردات» ياسمين حاج في الحوار. طرحت الجلسة الأسئلة التالية: “ما الذي تتيحه اللغة التي نكتب بها مقارنةً بما لا تستطيع فعله اللغة التي نتكلّم بها؟” و”هل تعدّين/دّ اللغة وسيطًا أم سياقًا؟” و”متى ترين/ى في اللغة قيدًا ومتى تكون مُحرِّرة؟” و”ما الذي يقلقك في اللغة التي تكتبين/ب بها؟”
يكتب عمر بالإنكليزية وتكلّم عن تجربته مع الكتابة السياسية الخيالية واللاخيالية في مصر وقيود القمع المفروض على اللغة والفكر. تناول كذلك محدودية مفهوم التمثيل لدى مخاطبة جمهور دوليّ وفوائد/نواقص صناعة الأفلام لدى مقارنتها بكتابة النثر. تكتب ياسمين بالعربية والإنكليزية وتترجم من اللغتين وإليهما كما من الفرنسية، ووصفت تغيّر رؤيتها للعالم وفق اللغة التي تستخدمها، ما قد يُعتِق ويعيق في الوقت ذاته. تحدّثت عن الأخطاء المطبعية بصفتها إحدى الطرق لتحويل الكلمات -التي غالبًا ما تكون محمّلة بعبء تاريخ اللغة التي تسكنها- إلى لحظات عابرة من الاستمتاع والتحرّر.
أدارت الجلسة الأولى من اليوم التالي وبعنوان «إلى أين تذهب الحكايات؟» منسقة البرامج من فريق «مفردات» ريم الشّلّة بمشاركة ناريمان يوسف وهاشم هاشم في الحوار. طرحت الجلسة الأسئلة التالية: “كيف ترغبين/ب بوصول قصّتك إلى الناس؟” و”هل من دور تلعبينه/به في تحديد اللغة والأطر التي تمثّل كتابك؟” و”أي مخاطر ستكونين/ن مستعدة/اً لمواجهتها بعد النشر؟” و”هل من عمل تودّين/د ترجمته؟ لماذا؟ ولمن؟”
حلّت ريم الشلّة مكان داليا طه (التي لم تتمكن من الحضور لأسباب تتعلق بالسفر) في إدارة الجلسة وفصّلت في ممارسة الترجمة وعلاقتها مع ترجمة الأفلام و(إعادة) توزيعها ونشرها من خلال عملها وعضويّتها في مجموعة «تحريض للأفلام». قرأت ناريمان مقالًا شاركت في كتابته مع جيتانجالي پاتيل ونشرته في مجلّة «أسيمبتوت» يستعرض اقتباسات من مترجمات ومترجمين بخصوص تجربتهن/م مع الصّور النمطية والتهميش. يتناول المقال الترجمة الأدبية والممارسات الكولونيالية المتضمَّنة فيها أحيانًا ويجادل أنّ محاولات “إدخال التنوّع” في الإشارة إلى تلك الممارسات غالبًا ما تفشل في الخوض في الموضوع كما يجب. في النقاش الذي تبع الجلسة، فسّرت ناريمان أنّه فيما يكبر مجال الأعمال المترجمَة، مازالت الطريق طويلة جدًّا عندما يتعلق الأمر بالإبداع ودور النشر التي تتردد في تعريض نفسها لطرق جديدة من النشر في اختياراتها. شارك هاشم خواطره عن المكان الذي تصب فيه القصص من منطلق فحواها وتحديدًا نهاياتها. في تمعّنه في الكتابات التي تشمل شخصيات كويرية، لاحظ كيف لا تنتهي الأمور على ما يرام في ما يخص الشخصيات هذه، فإمّا تموت أو تختفي من الحكاية، ما دفعه إلى البحث عن نهايات كويرية أخرى. إضافةً إلى ذلك، تحدّث هاشم عن النصوص التي كتبها في السابق من منظور امرأة كويرية والنصوص التي يكتبها بوصفه رجلًا عابر جندريًا، وكيف يشعر باختلاف تلقّيه للنصوص إثر ذلك وكيف يلعب ذلك دورًا في سيرورته واختياراته الكتابية.
أدارت الجلسة الأخيرة بعنوان «لمن نكتب؟» فاتن عبّاس بمشاركة وديعة فرزلي ومروى هلال في الحوار. طرحت الأسئلة التالية:”من تخاطبين/ب؟” و”من لا تتمكنين/ن من مخاطبتها/ه؟” و”من لا ترغبين/ب بمخاطبته؟” و”من ت/يكتب لمخاطبتك برأيك” و”أين كنت تودّين/د رؤية كتبك تُتداول؟” و”إلى أي حدّ تقيّدك اللغة ضمن شرط ثقافي محدد؟” و”متى تكون الكتابة من المنطقة بلغة غير العربية سردًا ومتى تكون تأمّلًا؟”
تكتب فاتن بالإنكليزية، واستكشفت تركيب اللغة العربية في السودان بوصفها لغة كولونيالة في الدول الأفريقية. ناقشت إشكالية ما يُعتبر بالأصالة الكافية التي تمكّن الشخص من تمثيل الوطن. تكتب وديعة النصوص المسرحية والمقالات بالعربية وقد أثارت بعض الأسئلة حول إيجاد الجمهور خاصتها ومواضيع تتجاوز العالم العربي لتتناول الشتات الأوروبي. تساءلت عمّا إذا ما كان عليها إتاحة تسييسها هي واستغلالها بطريقة قد تصل حدّ تغريبها، وذلك مقابل الانكشاف على العالم الأجنبي. أو لعله يكون من الأفضل الحفاظ على صوتك الحقيقي لكن التنازل عن احتمالية النشر في المقام الأول؟ وأخيرًا، تكتب مروى بالإنكليزية وأجابت على السؤال “لمن نكتب؟” عبر قراءة نصّ كتبته خلال الملتقى تناوَل سياسة اللغة وأهمّيّة احترام جذورنا اللغوية.
وبعد انتهاء الملتقى الجماعي رسميًا، أثارت الأسئلة المطروحة في أثناء الجلسات نقاشات ضمن المشاركات والمشاركين استمرّت حتّى ساعات الليل المتأخرة.